توجيه التعارض بين تهذيب المرأة لحاجبيها وحديث: «لعن الله النَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ»

تاريخ الفتوى: 03 نوفمبر 2021 م
رقم الفتوى: 8034
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: اللباس والزينة
توجيه التعارض بين تهذيب المرأة لحاجبيها وحديث: «لعن الله النَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ»

سائلة تقول: أريد أن أقوم بتهذيب حاجبيّ؛ لأنهما غير مهذبين؛ وقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك. فقال: «لَعَنَ اللهُ النَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ»؛ فهل هذا النهي على إطلاقه؟

ورد عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» متفق عليه.

ذهب بعض العلماء ممن مَنع الأخذ من الحاجبين استنادًا إلى نَهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نَتْفِ المرأة لحاجبيها: إلى ما إذا كان الأخذ من الحاجِبَينِ لغير حاجة، أو قصدت به المرأةُ الفجور، أو أرادت به التمويه على الرجال والتدليس عليهم، ونحو ذلك مما نصَّ عليه العلماء بما فهموه من معنى النهي الوارد في الحديث، فإذا انتفَت هذه المعاني انتفَى القولُ بالمنع، وقد تقرَّر في أصول الشريعة أنَّ "الحكم يدور مع علته وسببه وجودًا وعدمًا"، ولهذا إذا علَّق الشارع حكمًا بسببٍ أو علةٍ زال ذلك الحكم بزوالها، والشريعة مبنيةٌ على هذه القاعدة؛ كما قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في "إعلام الموقعين" (5/ 528، ط. دار ابن الجوزي).

قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في "كشف المشكل" (1/ 273، ط. دار الوطن): [وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ المتصنعات من النِّسَاء للفجور؛ لِأَن مثل هَذَا التحسن دأبهن، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهن المموهات على الرِّجَال بِمثل هَذِه الْأَفْعَال لتغرِ المتزوج] اهـ.
وقال الإمام أبو العبَّاس القرطبي في "المفهم" (5/ 444، ط. دار ابن كثير): [واختُلف في المعنى الذي لأجله نهى عنها؛ فقيل: لأنَّها من باب التدليس، وقيل: من باب تغيير خلق الله الذي يحمل الشيطان عليه ويأمر به؛ كما قال تعالى مخبرًا عنه: ﴿وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ﴾ [النساء: 119]] اهـ.
وقال الإمام الكرماني في "الكواكب الدراري" (21/ 130، ط. دار إحياء التراث): [وسبب لعنة المذكورات: أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس، قال الخطابي: إنما نهى عن ذلك لما فيه من الغش والخداع، ولو رُخِّصَ في ذلك لاتخذه الناس وسيلة إلى أنواع من الفساد] اهـ.

وعلى ذلك الفهم في توجيه النهي الوارد في الحديث جاءت نصوص الفقهاء على اختلاف مذاهبهم:
- فنصَّ الحنفية على أنَّ النهي عن الأخذ من الحاجبين قد يكون محمولًا على ما إذا فعلته المرأة لتتزين به للأجانب.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (6/ 373، ط. دار الفكر): [النمص: نتف الشعر، ومنه المنماص المنقاش.. ولعله محمولٌ على ما إذا فعلته لتتزين للأجانب] اهـ.
- ونصَّ المالكية على أنه إذا انتفت علة التدليس وتغيير خلق الله، أو ما يجعله باقيًا أبدًا أو يظهر وكأنَّه من أصلِ الخِلقة: انتفى معنى النهي الوارد في الحديث:
قال القاضي عياض المالكي في "إِكمَال المُعْلِمِ" (6/ 655، ط. دار الوفاء): [وقد روي عن عائشة رضي الله عنها.. رخصةٌ في جواز النمص وحفِّ المرأة جبينَها لزوجها، وقالت: "أَمِيطِي عَنْكِ الأَذَى".. قال بعض علمائنا: وهذا المنهي عنه المتوعد على فعله فيما يكون باقيًا؛ فإنه من تغيير خلق الله، فأما ما لا يكون باقيًا.. فلا بأس به للنساء والتزين به عند أهل العلم] اهـ.
بل نصَّ بعض المالكية على أنَّ النهي عن الأخذ من الحاجبين إنَّما هو محمولٌ على مَن نُهيَت عن استعمال الزينة امتثالًا للشرع؛ كمَن تُوفي عنها زوجها أو فُقِدَ؛ لأن ذلك منافٍ لمعنى الحِداد عليه.
قال الشيخ أبو الحسن العدوي المالكي في "حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني" (2/ 459، ط. دار الفكر): [النهي محمولٌ على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينةٌ لها؛ كالمُتَوفَّى عنها والمفقود زوجها، فلا يُنافي ما ورد عن عائشة رضي الله عنها من جواز إزالة الشعر من الحاجب والوجه] اهـ.
أي أنَّ الحكم بالمنع في الأحاديث ليس على إطلاقه، بل هو مخصوصٌ بالمرأة المنهية عن الزينة، وقد تقرر أنَّ "جميع عمومات الشرع مخصَّصة بشروط في الأصل والمحل والسبب؛ إما بدليل العقل أو السمع أو غيرهما، وقلَّما يوجد عامٌّ لا يُخصَّص"؛ كما قال حجة الإسلام الغزالي في "المستصفى" (ص: 245، ط. دار الكتب العلمية).
- وأمَّا الشافعية: فهم وإن ذهبوا إلى القول بالكراهة في معنًى من معاني الحديث، إلَّا أنهم نَصُّوا على جواز نفس المعنى عند الحاجة؛ كالعلاج، أو وجود عيبٍ، أو تشويهٍ، أو نحو ذلك، وهذه الأشياء قد تكون ضرورية أو حاجيَّة أو تحسينيَّة:
قال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم" (14/ 106، ط. دار إحياء التراث العربي) في بيان معنى المُتَفَلِّجَات: [أما لو احتاجت إليه لعلاجٍ أو عيبٍ.. ونحوه: فلا بأس] اهـ.
وكونُ حاجبي المرأة غير مألوفَين أو مُنَفِّرَين لا يخرج عن جملة العيوب المستثناة من الكراهة؛ سواء كان لها زوجٌ أو فعلته رغبةً في النكاح، فيدخل ذلك ضمنَ ما أجازوه للحاجة، وتنتفي الكراهة إن كان تهذيبهما لحاجة معتبرة؛ لما تقرّر في قواعد الفقه أن "الكراهة تزول بأدنى حاجة"، فقد يكون الشيء مكروهًا في أصله، فإذا اقتضته الحاجة انتفت كراهته؛ كما نص عليه الإمامُ ابن مازه الحنفي [ت: 616هـ] في "المحيط البرهاني" (2/ 192، 5/ 403، ط. دار الكتب العلمية)، ونقله العلامة أبو عبد الله المواق في "التاج والإكليل" (6/ 153، ط. دار الكتب العلمية) عن الإمام مالك، والإمامُ النووي في "المجموع" (1/ 486، ط. دار الطباعة المنيرية)، والعلامةُ السفاريني الحنبلي في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة).
- وأمَّا الحنابلة: فقد وجَّهوا النهي الوارد في الحديث على معنى النتف، لا على مجرد إزالة الشعر، فإذا أزالت المرأة الشعرَ بطريقةٍ غير النتف جازَ لها ذلك، على أنَّ من العلماء من جعل معنى النِّمَاص: إزالة الشعر منِ الوجه، لا اختصاصه بالحاجبَين.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 107، دار الفكر): [فأما النامصة: فهي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتنمصة: المنتوف شعرها بأمرها؛ فلا يجوز؛ للخبر، وإن حلقت الشعر فلا بأس؛ لأن الخبر إنما ورد في النتف، نصَّ على هذا أحمد] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

سائل يقول: أخبرني أحد أصدقائي بأنه سمع شخصًا يقول: كل ما تركه النبي عليه الصلاة والسلام يكون محرمًا؛ فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفعل ما يدلّ بمجرده على تحريمه؟


هل يجوز للمرأة أن تخرج إلى المسجد مُتَعَطِّرة؟ حيث جاء في بعض الأحاديث أن المرأة إذا خرجت للمسجد متعطرة فإن الله لا يقبل منها الصلاة حتى تغتسل، فما معنى ذلك؟ وهل يجب عليها الغسل؟ وهل يقتضي ذلك بطلان صلاتها ووجوب الإعادة عليها؟


ما حكم حمل المرأة المصحف في حقيبة اليد أثناء مدة الحيض دون أن تمسَّه أو تُمسِكَه بيدها؟


يقول السائل: أسمع كثيرًا كلمة سنة مؤكدة وسنة غير مؤكدة، ولا أعرف الفرق بينهما؛ فأرجو منكم التكرم ببيان الفرق بينهما.


ما حكم عطاء الوالد لبعض أولاده حال حياته؟ فنحن ثلاث أخوات شقيقات، ولنا أختان من أبينا، وكان والدنا رحمه الله تعالى قد كتب لي ولشقيقَتَيَّ أرضًا زراعية مساحتها 11 فدانًا بيعًا وشراء، وترك ستة أفدنة أخرى لم يكتبها باسم أحد، تم تقسيمها على ورثته بعد وفاته، وكذلك قد خصني أنا وشقيقَتَيَّ -دون الأختين الأخريين- بمبلغ ألف جنيه في دفتر توفير لكل واحدة منا، مع العلم أننا ساعتها كنا صغيرات، وكانت أختانا لأبينا متزوجتين.

والسؤال هنا: هل من حق الإنسان أن يتصرف حال حياته كيفما يشاء في ماله؟ مع العلم أنني قد سمعت عدة آراء فقهية مختلفة في هذه المسألة؛ بعضها يحرم ما فعله الوالد ويلزمنا بِرَدِّ الحقوق، وبعضها يحرم ما فعله الوالد ويجعل رد الحقوق تطوعيًّا منا، وبعضها يجيز ما فعله الوالد ولا يلزمنا بشيء، فما مدى صحة هذه الآراء؟ وهل يجوز لي تقليد أيٍّ منها؟ وهل معنى حديث: «استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك، والبر ما اطمأن إليه القلب والإثم ما حاك بالصدر» أن الإنسان إذا سمع عددًا من الآراء فإن الرأي الذي يطمئن إليه قلبه وعقله يكون هو الصحيح شرعًا؟ وما حكم العمل بالأحوط هنا؟ حيث إنني قد احتطت ورددت بعض الحقوق لأصحابها، وطلبت منهم المسامحة في الباقي فسامحوا.


سائل يقول: ورد في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن إسبال الثياب، فقال لي أحد أصدقائي: إن هذا ليس على إطلاقه، وقد قال بعض العلماء بجوازه؛ فكيف نجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 31 أكتوبر 2025 م
الفجر
4 :40
الشروق
6 :8
الظهر
11 : 39
العصر
2:45
المغرب
5 : 9
العشاء
6 :27